يبدو أنني لا أمارس الكتابة الحرة بعيدا عن متطلبات العمل، سوي إذا كان
الحدث جللا وبالرغم من كثرة الأحداث في الفترة الماضية إلا أن اليأس من
التغيير في ثقافة المجتمع والسياسة العامة للبلد قد أصابني بلا مبالاة
ليست لها مثيل، ولكن عندما تستيقظ صباحا علي خبر مقتل وإصابة أكثر من 65
طفلا في حادث إصطدام الحافلة التي كانوا يستقلونها للذهاب للمدرسة بقطار
حولهم في لمح البصر لآشلاء متناثرة وخضب أدواتهم الدراسية بدمائهم النقية
الطاهرة، فالأمر حينها يختلف.
أطفال كانت أقصي أحلام
بعضهم أن يجتهدوا في دراستهم، لكي يصبحوا عنصرا فاعلا في نهضة تلك الأمة
ويحققوا ذاتهم وآباء وأمهات كانوا يتابعون بشغف قرة أعينهم وهم يلعبون
ويحلمون، وفجأة تتبخر تلك الأحلام وتتحول لكابوس مزعج، بسبب استمرار فساد
العقول وموت الضمائر، التي تتسبب يوميا في إزهاق عشرات الأرواح، دون
مراعاة لأي قوانين أو أعراف أو حتي دين.
المسئولية
مشتركة في هذا الحادث البشع، فكيف لإدارة مدرسة أن تضع في "أتوبيس" واحد
ما يزيد علي 60 طفلا، تخيلوا كيف كان يجلس هؤلاء الأطفال بحقائبهم المتخمة
بالكتب في الأوقات العادية، فما بالكم بهذا العدد عند وقوع حادث، فلا مكان
يهرب إليه الطفل، فإذا افترضنا أن القطار تسبب في إزهاق أرواح نصف هذا
العدد فالنصف الأخر تكفل به التكدس غير الأدمي، الذي يشبه علبة الطعام
المحفوظ.
أما السائق وحسب كلام شهود العيان، فكان يحاول
العبور سريعا قبل مجئ القطار وكأنه يتعجل قضاه، لا أعرف ما الذي ورائه
ليغامر بحياة من يركبون معه، مما كلفه حياته وحياة من معه، ولا ألوم علي
هذا السائق، لأن ما قام به هي "الفهلوة" المعتادة للمصريين، التي لا أعلم
متي تختفي من قاموس حياتنا اليومي والتي قد تكلفنا مصير بلدنا بأكملها،
لأنه ليس "بالفهلوة" تحيا الأمم، فدول العالم المتقدم تعتمد علي التفكير
المنطقي بعيد المدي ولا تنظر تحت أقدامها كما نفعل نحن.
وعامل
التحويلة، الذي فقد كل إحساس بالمسئولية وتخلي عن مهام عمله لينعم بقسط من
النوم، متناسيا أن أرواح المئات أمانة في عنقه بحكم وظيفته والأمر الأمر
أنه عندما أخطأ لم يواجه الأمر بشجاعة وحاول الهرب قبل أن تلقي الجهات
المسئولة القبض عليه، أنت تتقاضي أجر لتسهر وتباشر وظيفتك لا أن تنام
وتترك الأرواح البريئة تزهق تحت عجلات القطارات.
ما ذنب
الآباء والأمهات الذين احترقت قلوبهم حزنا وكمدا علي فلذات أكبادهم، هناك
أسر فقدت في هذا الحادث إثنين وثلاث من أبنائها، وكانوا يودعونهم صباحا
علي أمل العودة والتجمع حول مائدة الغداء وفجأة يجدون أنفسهم ذاهبون لمكان
الحادث للتعرف علي ما تبقي من أبنائهم.
أيها السادة ضعوا
هذا الحادث نصب أعينكم إذا كنتم تريدون خيرا بهذا البلد، إذا كنتم تبغون
وضعه علي الطريق القويم، لا تجعلوه يمر مرور الكرام كما حدث مع غيره من
مئات الحوادث الأخري، في الصين يتم إعدام المسئول عن الفساد والإفساد لكي
يكون عبره لغيره ولكي تتحقق العدالة الاجتماعية، في بلادنا نساعده علي
الهروب من المسئولية، الأمر الذي أدي لما نحن فيه الآن.
يجب
الضرب بيدا من حديد علي كل من تسول له نفسه العبث بهذا الوطن، علي عامل
التحويلة الذي ترك عمله ونام ولا نرفع شعارات "لا يجب أن نذبحه من خطأ
واحد" الخطأ يولد الخطأ والفساد لا ينجب إلا فسادا، وعلي سائق الميكروباص
الذي يستغل حاجة الناس للذهاب لأعمالهم ويرفع الأجرة، وعلي الوزير الذي
يجلس داخل مكتبه ولا يباشر عمله، والمسئول الفاسد والضابط المرتشي والطبيب
المهمل والإعلامي المغرض والموظف المختلس ووووووو.
أفيقوا
قبل أن تنزلق أقدامنا لهوة ساحقة ليست لها قرار، طبقوا القانون علي الكبير
قبل الصغير أعطوا المحتاج وأكفوه أعيدوا للمظلوم حقه وأنصفوه، مصر لن
تتحرك خطوة واحدة إلا بالعدل والمساواة، لا نحتاج لثورة علي النظام
السياسي، لأن "العيب مش في النظام" نحتاج لثورة علي أنفسنا لتطهير عقولنا
وتصفية نفوسنا تجاه بعضنا البعض وتغيير نظرتنا وتعاطينا مع الأمور
المختلفة، إذا ألقي كل منا بالتغيير علي الأخر لن نتطور وإذا اسمرت سياسة
"هو أنا هغير الكون لوحدي" سندخل في نفق مظلم، إبدأ بنفسك ودع الأخرين
يقومون أنفسهم.
ومهما انتقيت من تعبيرات للمواساة، لن
تكون كافية بالطبع في تهدأت روع الأم الثكلي التي فقدت وليدها ولا صدمة
الأب الذي كان يحلم باللحظة التي يتخرج فيها أبنه ويزوجه ويفرح به،
إستغلال هذا الحادث في تصحيح مسار البلاد هو ما يبغيه كل مخلص ومحب لهذا
الوطن، رحم الله هؤلاء الضحايا وألهم ذويهم الصبر والثبات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق