ما يحدث بين الحين والآخر من مظاهرات للمسلمين في مصر للإفراج عن "المسلمات المحتجزات لدي الكنيسة"، كما يسميهم المتظاهرين وعلي رأسهم كاميليا شحاتة، يعد مؤشرا خطيرا للغاية وخاصة في تلك الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد।.
ومع عدم ظهور هؤلاء المسيحيات المتحولات للإسلام واستمرار تلك المظاهرات –التي يتزعمها عناصر الحركة السلفية بمصر-، هناك سؤال يفرض نفسه وبقوة "إن كان هؤلاء المذكورات -كما تقول الكنيسة- لا يزلن متدينات بالمسيحية، لماذا لا يخرجن ويعلن ذلك للرأي العام، أما إذا كن بالفعل تحولن للإسلام، فمن واجب الكنيسة إطلاق سراحهم فورا، كفلا لحرية العقيدة، التي ننادي بها جهارا نهار ولتهدئة الرأي العام، خاصة في تلك الفترة التي لا تتحمل مزيدا من الإضطرابات"।.
ودعونا نتفق علي شيئا واحدا، أن من يتحول من المسيحية للإسلام لن يقلل من المسيحيين في شئ ولن يضيف للمسلمين في شئ والعكس صحيح بالنسبة لمن يتحول من الإسلام للمسيحية، لأن من لا يتمسك بالدين لاقتناعه التام به وبتعاليمه، فالدين براء منه سواء كان الدين الإسلامي أو المسيحي ولقد بعث الله رسله وأنبيائه مبشرين للناس ولم يجبروا أحدا للدخول في الدين الذين يدعون له، فدعوا كل فرد يتدين بما يرغب، لأن الذي سيحاسب علي الدين والإيمان هو الله الواحد القهار ولا تجعلوا أنفسكم أوصياء علي أحد।.
قال تعالي "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256)। البقرة".
أما ما يحدث في محافظة قنا، فهو السفه بعينه، فكيف يتم الاعتراض علي تولي شخص منصب لا علاقة له بالدين، لمجرد أنه مسيحي، ما علاقة ديانة اللواء عماد ميخائيل، بمهام وظيفته الموكلة له، حاسبوا الرجل علي أدائه وكفاءة في العمل، أو إخفاقاته ودعونا لا ننسي مقولة الإمام محمد عبده رحمه الله عندما زار بريطانيا وعاد إلي مصر فسأله الناس ماذا رأيت هناك فقال "رأيت الإسلام عندهم بدون أن أرى مسلمين ورأيت المسلمين عندنا بدون أن أرى الإسلام" ويقصد بتلك المقولة أن هناك من غير المسلمين من يتبعون ما حثنا الإسلام عليه دون أن يكونوا متدينين بالإسلام، فالصدق والأمانة وإعمال الضمير، ليس حكرا علي المسلمين دون غيرهم وبالتالي المناصب القيادية –التي ليس لها صلة مباشرة بأمور المسلمين دون غيرهم- ليست محرمه علي المسيحيين।.
ولا يجب أن نغفل أن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، نصح المسلمين الهاربين من بطش واضطهاد قريش بترك مكة والهجرة إلي الحبشة "لأن فيها ملك لا يُظلم عنده أحد وعادلا في حكمة، كريماً في خلقة" وكان هذا الملك (مسيحيا) وبالفعل ذهبوا إلي هناك وكان عمرو بن العاص ما يزال علي كفره بالله فبعثه سادة قريش إلي الحبشة، لمطاردة المسلمين والعودة بهم وجاء للنجاشي محملا بالهدايا الثمينة ورفض الملك الصالح تسليمهم دون أن يستمع لهم فدعاهم النجاشي، ولما حضروا صاح جعفر بن أبي طالب بالباب " يستأذن عليك حزب الله " فقال النجاشي: مروا هذا الصائح فليعد كلامه، ففعل.
قال نعم فليدخلوا بإذن الله وذمته، فدخلوا ولم يسجدوا له، فقال: ما منعكم أن تسجدوا لي؟ قالوا: إنما نسجد لله الذي خلقك وملكك، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان، فبعث الله فينا نبيا صادقا، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله، وهي " السلام " تحية أهل الجنة، فعرف النجاشي أن ذلك حق، وأنه في التوراة والإنجيل।.
فقال أيكم الهاتف يستأذن؟ فقال جعفر أنا، قال فتكلم، قال إنك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي، فأمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما، فتسمع محاورتنا، فقال عمرو لجعفر تكلم। فقال جعفر للنجاشي سله أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم، فقال عمرو : بل أحرار كرام . فقال: هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا؟ قال عمرو: ولا قطرة، فقال هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ فقال عمرو: ولا قيراط، فقال النجاشي: فما تطلبون منه؟ قال كنا نحن وهم على أمر واحد على دين آبائنا، فتركوا ذلك واتبعوا غيره، فقال النجاشي: ما هذا الذي كنتم عليه، وما الذي اتبعتموه؟ قل وأصدقني .
فقال جعفر: أما الذي كنا عليه فتركناه وهو دين الشيطان ، كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة، وأما الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له، فقال تكلمت بأمر عظيم، فعلى رسلك ।.
ثم أمر بضرب الناقوس فاجتمع إليه كل قسيس وراهب، فقال لهم أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، هل تجدون بين:عيسى وبين يوم القيامة نبيا ؟ قالوا: اللهم نعم، قد بشرنا به عيسى، وقال من آمن به فقد آمن بي، ومن كفر به فقد كفر بي، فقال النجاشي لجعفر رضي الله عنه ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟، فقال يقرأ علينا كتاب الله، ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر، ويأمرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم، ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له ।.
فقال اقرأ مما يقرأ عليكم، فقرأ سورتي العنكبوت والروم، ففاضت عينا النجاشي من الدمع، وقال زدنا من هذا الحديث الطيب، فقرأ عليهم سورة الكهف، فأراد عمرو أن يغضب النجاشي، فقال إنهم يشتمون عيسى وأمه، فقال ما تقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم سورة مريم، فلما أتى على ذكر عيسى وأمه رفع النجاشي بقشة من سواكه قدر ما يقذي العين، فقال والله ما زاد المسيح على ما تقولون نقيرا ورفض النجاشي أن يسلم المسلمين لعمرو بن العاص بعد أن سمع منهم، وأمنهم في بلده।.
أأنتم أكثر حكمه من الرسول صلوات الله وتسليماته عليه، أم أنكم تريدون إختراع أشياء وأفكار لا تمس الإسلام بشئ وإذا فعلتم ذلك فيعد بدعه وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار، فأين أنتم من ذلك!؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق