الزواج من أسمي العلاقات الإنسانية التي شرعها الله سبحانه وتعالي وكرمها رسوله الكريم، حيث قال "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم، لكن ما يحدث تلك الأيام حول الزواج من علاقة إنسانية إلي صفقة تجارية.
أصبحت عقيدة راسخة عند قطاع عريض من الآباء، أنه عندما يأتي إليهم من يطلب يد ابنتهم للزواج، يجب أن يمارسون عليه كافة أشكال الضغط والاستنزاف وإرهاقه بطلبات بما لا يطيق ولا يحتمل مستغلين في ذلك الارتباط الشديد بين ابنتهم وهذا الشخص -المأسوف علي شبابه-.
وتتنوع أساليب الضغط والاستنزاف التي تمارس علي العريس، فنري أن وجود الشقة من عدمه هي أول مشكلة تلوح في الأفق بين والد العروس والشخص المتقدم لابنته وعلي الرغم من أن وجود الشقة من أساسيات الزواج إلا أن الحالة الاقتصادية التي تعيشها البلد الآن، تحتم أن يكون هناك بعض التنازلات من قِبل والد العروس، لأن 90 % من المتقدمين للزواج لا يملكون نفقات شراء شقة في مقتبل حياتهم، فما الذي سيحدث إذا بدأوا حياتهم في شقة إيجار وهناك بعض الآباء ممن يتفهم ذلك والبعض الأخر الذي يضع "العقدة في المنشار"، رافعين شعار "لا زواج بدون شقة".
وتعتبر المغالاة في تقدير قيمة الشبكة، من أهم إشكاليات الزواج، بالرغم من أن الشبكة هي في الأساس هدية من العريس إلي عروسه ولا علاقة لها بدين أو بشرع ولم ينزل الله بها من سلطان ولكنها عرف لا سامح الله من فرضه علينا ومع التطور الطبيعي لكل شيء وارتفاع الأسعار قفزت قيمة الشبكة من مئات قليلة من الجنيهات إلي ألوف مألفة منها وكم زيجة فشلت بعد تدخل الأهل والأقارب "أصل بنت عمها جالها كذا وكذا وكذا وبنت خالتها جالها طقم يجنن وهي مش أقل منهم" والكثير من الأسباب التافهة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
أما الطامة الكبري فتتمثل في قيمة "مؤخر الصداق" الذي يعتبره الكثير من الآباء، الضمان الوحيد في استمرار زواج ابنتهم، فكلما زادت قيمته اطمئن أكثر أنه بذلك ربط زوج ابنته أكثر حتى لا يلعب الشيطان برأسه ويفكر في تطليقها أو إذا طلقها وجدت المال الذي يؤمن لها مستقبلها، فإذا فرضنا أن اثنين تزوجا بعد قصة حب عنيفة ولكنهما بعد الزواج اكتشفا صعوبة العيش سويا وركبت العروس رأسها حتى تحصل علي مؤخرها كاملا، كنوع من لي زراع الزوج، ما العمل آنذاك؟ هل يطلقها الزوج وهو غير قادر علي دفع المؤخر أم يعيش معها رغما عن أنفه ويتحمل كل مضايقاتها؟ أم يلجأ للحل السحري بإتباعه نظرية (التزهيق والتطفيش)، حتى يجعلها تقول "حقي برقبتي" وتطلب بنفسها الطلاق أو الخلع وتتنازل عن كل ما لها لديه!!؟.
وتأتي بعد ذلك (قائمة المنقولات) التي عن طريقها يتم حبس العريس إذا ما حاول أن يغضب عروسه ومن المعروف أن تلك القائمة يُكتب بها كل ما تم شرائه من أجهزة وأدوات وأثاث، بأسعارها التي جاءت بها ولكن بعض الآباء الأفاضل يلجئون في كتابة تلك القائمة إلي المبالغة والتهويل في المبالغ المدفوعة، فإذا كان الثمن الفعلي لمحتويات القائمة 50 ألف جنيه مثلا، تحول بقدرة قادر إلي 80 أو 90 ألف وذلك لإحكام الحبل حول عنق العريس أكثر وأكثر.
حكي لي أحد أقربائي عن صديق له كان مُقبلا علي الزواج وقبل زفافه بأيام قليلة نبهته والدته أنه لم يتفق مع والد عروسه علي المؤخر ولا علي قائمة المنقولات، فذهب إليه علي الفور للاتفاق حتى لا تحدث أي مشاكل ولكن رد والد عروسه كان بمثابة المفاجأة، حيث قال له يا بني لقد وثقت فيك وأعطيتك ابنتي فكيف لا أثق في أنك سوف تحفظ حقوقها، أنا لا أريد منك تلك الأشياء ولكنه قال له لا هذا حقها ويجب أن نتفق عليه، فرد عليه والد العروس قائلا اكتب الأشياء التي جاءت بأسعارها الحقيقية وأعطي القائمة لزوجتك!! والمؤخر اتفق عليه معها!!!.
هذا الموقف النبيل دفعه إلي كتابة قائمة المنقولات بزيادة 10 آلاف جنيه عن ثمنها الفعلي وكانت له أخت تزوجت منذ فترة قليلة فكتبت مؤخر زوجته بزيادة 5 آلاف جنيه عن أخته وعندما جاء لإعطاء القائمة لزوجته قالت له "أنا كلي معك فكيف لا أثق فيك أن تحتفظ بتلك القائمة معك، دعها معك" وكان بالفعل هذا ما تم ويقسم هذا الشخص أن ذلك ما حدث معه بالفعل، مما جعله يخاف من مجرد أن يقول لها كلمة تغضبها، ليس خوفا منها أو من والدها ولكن لأن ما حدث معه يستوجب ذلك، يستوجب أن يحفظ جميلهما العمر كله.
يا سادة، لم ولن يكن الزواج أبدا صفقة تجارية أو (بيعه وشاروه)، الزواج علاقة إنسانية صرفه بين اثنين، إما أن يعيشا معا بالمعروف أو يتفرقا بإحسان واستمرار الزواج لن يتوقف أبدا علي تلك الارتباطات المالية العقيمة ولكنه يتوقف علي الاحترام المتبادل بين الاثنين والمودة التي بينهم ومهما كانت الارتباطات المالية لم ولن تقف في وجه إفشال أي زواج، إذا أراد الله ذلك ويقول الله سبحانه وتعالي "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" أية 299 سورة البقرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق