الاثنين، 24 فبراير 2014

أشياء جميلة في وقت ضائع!

بقلم/ أحمد عادل حلمي


لا تجبر الإنسان ولا تخيّره، يكفيه ما فيه من عقل بيحيّره، اللي النهارده بيطلبه ويشتهيه، هو اللي بكره ح يشتهي يغيّره.. رباعية كتبها عمنا صلاح جاهين منذ عدة عقود، واصفا فيها حال الإنسان عندما يفاضل بين شيئين، أو عندما يبذل قصارى جهده للوصول لهدف أو غاية محددة، ثم بعد الوصول إليه يظهر أمامه هدف آخر، يراه الأجدر بالتضحية ويندم على ما فات.

والأمثلة على ذلك كثيرة، فطبيعة الإنسان أنه متقلب ومزاجي، وآرائه متغيرة حسب الزمان والمكان والظروف المحيطة به، ومتطلباته النفسية التي يكون لها التأثير الأكبر على السلوك العام له، كما أن لـ«الهدف» جاذبية كبيرة وهو بعيد عن متناول اليد، وقد يكون ذلك بسبب عدم الإلمام الكامل بكل الإيجابيات والسلبيات المتعلقة به، ونقص المعلومات الكافية لحسم القرار، والتي لا تظهر في غالبية الأحيان إلا بعد الوصول للهدف، و... ورؤيته من الداخل عن قرب.

ويحلم جميعنا بأشياء عديدة، بين طموحات وأمانٍ وغيره.. ولكن معظمنا لا يعد المتطلبات اللازمة لتحقيق ما يحلم به، وقد يكون ذلك بسبب عدم إعطاء الحلم حقه الكامل في التكون أو التعجل في الوصول لغاية معينة دون دراسة خطواته جيدا، أو ربما عدم الإعداد والترتيب الجيدين لتحقيق ذلك.
«1»
ويظهر ذلك جليا في عدة أمور، كأن يتمنى الشخص السفر لدولة معينة للعمل أو للتنزه وينتظر الفرصة المناسبة لذلك، ويظل يبحث عن أفضل العروض، ويختار بين هذا وذاك.

وفجأة يظهر أمامه فرصة العمر، ويطير من الفرح وتصل به الفرحة لعنان السماء، ولكنه يكتشف أنه لا يملك جواز سفر، لكي يستطيع أن ينضم لتلك الرحلة والتي وضع لها مدة محددة للاشتراك بها أقصر بكثير من المدة التي قد تستغرقها إجراءات استخراج «الباسبور»، لأنها أشياء جميلة تظهر في وقت ضائع!.
«2»
كثير من الشباب ينامون ويستيقظون، ولا يشغل تفكيرهم سوى شيء واحد وهو «وظيفة العمر»، التي تستطيع أن تحقق كل طموحاتهم وآمالهم في الحياة، ويظلون يبحثون هنا وهناك لاقتناص الفرصة، ويشتكون من وجود «واسطة» ومحسوبية في عملية اختيار الوظائف وأن الأعمال المتميزة تكون مضمونة لأصحاب الحظوة مسبقا.

وفي غمار كل ذلك ينسى الشخص، العامل الأساسي في الموضوع كله، أنه لم يهيئ نفسه من الأساس للقبول بوظيفة أحلامه والتي قد تتطلب أن يكون له مظهرا معينا أو أن يكون حاصلا على دورات تدريبية في اللغات الأجنبية وبرامج الحاسب الآلي، وعندما تظهر الوظيفة المناسبة لطموحاته لا يستطيع أن يحصل عليها، نظرا لأنه لم يعد العدة المناسبة لها ولاحت هي له في الوقت الضائع الذي لم يضعه في حسبانه.
«3»
أما في العلاقات الشخصية والعاطفية، فحدث ولا حرج؛ فتجد فتاة تهيم عشقا بحبيبها وتتحدى العالم من أجل الارتباط به وعندما تصل لغايته وتعرفه عن قرب، تكتشف أنها تسرعت وأخطأت خطأ عمرها.

وتظل تندب حظها وتندم على ما فعلت ولكنه ندم في غير محله، لأن الوقت قد مضى وما فات قد فات ولا تستطيع وقتها سوى الحنين للماضي، وتخيُل حياتها السابقة التي كانت مليئة بالترف والمرح الذي أصبح ضائعا ولا مجال لعودته مرة أخرى.
«4»
أو أن تظل أسرة الشاب تلح عليه للارتباط، "يا بني عاوزين نفرح بيك ونشيل عيالك قبل ما نموت"، ولكن الشاب في قرارة نفسه لم يجد الفتاة التي تتوافق مع المواصفات، التي طالما حلم بأن يجدها في شريكة حياته، من الناحية الشكلية والعقلية والتوافق بينه وبينها وطريقة التعامل بينهما.

وتحت وطأة الضغط الأسري يضحي بكل ما كان يحلم به؛ بل وينسفه نسفا لإرضائهم على حساب نفسه، ويتزوج زواجا تقليديا «زواج صالونات»، ويمضى معها حياة روتينية مليئة بالخلافات والمشاكل، للاختلاف الجذري والعميق في وجهات النظر، والذي تتسع فجوته ويتعمق يوما بعد يوم في حياتهم، وفجأة تظهر أمامه فتاة أحلامه تسير بخطى واثقة وكأنها تتعمد استفزازه ومعاقبته على تسرعه، وتدخل الفرحة والحزن معا لقلبه، فرحة العثور عليها وحزن صعوبة الوصول إليها، لأنها ظهرت في الوقت الضائع!.
«5»
ووقع المصريون في هذه الدوامة، فبعد خروجهم في مظاهرات يناير 2011، كانوا ممتلئين بالأمل والرغبة في الحياة الكريمة، ولكنهم لم يحسبوا خطواتهم جيدا، ولم يكن هناك قائدا يوجههم لما يجب عليهم القيام به بعد ذلك ولم يضعوا طلبات محددة من وراء حركتهم تلك، مما خلق انقسامات وظهور أحداث لم تكن في الحسبان.

الأمر الذي ذهب بالبعض، لإظهار ندمهم على ما حدث، بل والترحم على الأيام السابقة بالرغم من أنها لم تكن «وردية» خالية من السلبيات والفساد والمصائب، وسواء اتفقنا أو اختلفنا على الأوضاع السابقة، إلا أن الحنين لها لا يعد كونه شئيا -يراه البعض جميلا- في وقت ضائع، لأن ما حدث قد حدث بالفعل والماضي لا نستطيع تغييره بأي شكل من الأشكال.
«6»
وتحفل حياتنا بالعديد من الأشياء الجميلة التي لا يشفع لها جمالها؛ ظهورها في الوقت الضائع، ويقع الإنسان حينها في فخ الندم على ما فات وتسرعه في الاختيار وعدم إعداده ما يناسب الحصول على ما يطمح إليه، بالإضافة إلى الحزن على صعوبة الوصول للشيء الجميل الذي ظهر أمامه في الوقت الضائع.


ولقد خلق الله عز وجل الإنسان، ووهبه نعمة العقل ليميز به ما يناسبه ويحتاج إليه ولكنه منحه أيضا شيئا أشد قوة وهو التعجل «وكان الإنسان عجولا»، وكثير منا لا يستطيع أن يوظف العقل لكي يتحكم بالعجلة، فيؤدي ذلك لفقدان كثير من الأشياء الجميلة منه، ولكن الوقت -للأسف- يكون قد ضاع، ولا يشفع «جمال الأشياء» المفقودة لها؛ حين ظهورها في الوقت الضائع.