![]() |
| الشارع المتواجد به قسم السلام قبل غلقه بالحواجز الأسمنتيه - أرشيفية |
بقلم/ أحمد عادل حلمي
المكان: الشارع المقابل للقسم بمدينة السلام في محافظة القاهرة.
الزمان: فجر يوم السبت الماضي.
الحدث: خلال عودتي والأسرة قادما من محافظة الإسكندرية.
دعوني في البداية أصف لكم طبيعة المكان، فالقسم يطل على الشارع الرئيسي
الرابط بين القادم لمدينة السلام من جهة الكوبري الدائري، والمناطق المتفرقة
للمدينة، وهو ليس بالشارع الضيق أو ذو الاتجاه الواحد -في الظروف الطبيعية-، ولكن
بين ليلة وضحاها تحول الشارع لاتجاه واحد «المغادر للمدينة باتجاه الدائري»، وذلك
لأن القسم «كبرت في دماغه إن ما حدش يعدي من قدامه».
فبعد سلسلة التفجيرات التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة، عن طريق
السيارات المفخخة التي تستهدف المنشآت الشرطية، تفتقت بعض الأذهان الأمنية عن
منهاج وقائي جديد وهو «شيل دة من دة.. يرتاح دة عن دة»، فبدلا من اتباع سياسة
أمنية تعتمد على عدم السماح للسيارات بالتوقف أمام المنشآت التي قد تكون مستهدفة،
آثروا الاعتماد على منطق «تكبير الدماغ»، وأغلقوا الشوارع المحيطة بها دون أي
مراعاة لأبسط حقوق المواطنين.
وقد قام قسم السلام بغلق الشارع أمامه؛ ليس بحواجز مؤقتة -لا سمح الله-،
تتيح فتح وغلق الشارع حسب الطبيعة الأمينة ولكنه لجأ لوضع حواجز أسمنتيه ثابتة،
وعلى المتضرر «خبط دماغه في الحواجز» والالتفاف حول المنطقة المحيطة بالقسم
بأكملها حتى يصل لوجهته التي تستغرق في الوضع الطبيعي بضعة دقائق ولكن مع التغيرات
الجديدة أصبحت تأخذ ما يقرب من الربع ساعة نظرا لضيق الطرق الجانبية التي يسلكها
والضغط الهائل عليها من كافة مرتادي الطريق.
ومؤخرا تفضل القسم وسمح بمرور السيارات في الاتجاه الوحيد المتاح «رايح
جاي» وهو الطريق الذي يسمح بالكاد بمرور سيارتين في نفس الاتجاه، فما بالك بمرور
السيارات في اتجاهات مختلفة، ولكن لأن «الحلو ما يكملش»، فقد وضع رجال القسم «الأكفاء»،
حواجز حديدية متحركة في نقطة بعينها بالاتجاه المتاح، وهو الأمر الذي لا يسمح إلا
بمرور سيارة واحدة عند الوصول لتلك النقطة وما يصاحبه من تكدس وازدحام مروري شديد.
وفي الليلة المنشودة، كنت قادما من محافظة الإسكندرية باتجاه مدينة السلام،
لإيصال عائلتي لمنزلهم، وقادني حظي العاثر للمرور من أمام القسم، كانت الساعة قد
تجاوزت الثالثة بدقائق قليلة، دخلت -مضطرا- في الاتجاه المعاكس الذي يفصله عن
القسم؛ الطريق المغلق والرصيف، على اعتقاد أنه صالح لمرور البشر، وبعد أن وصلت
أمام القسم وجدة سيارة «ميكروباص» ويقف بجانبها أمين شرطة، عفوا «سعادة البيه أمين
الشرطة»، حاملا على كتفه سلاح آلي وطالبنا بالتوقف.
لم أكذب خبرا وتوقفت على الفور، وبكل ما وهبه الله من «تناكة» وبوجه متجهم؛
طالبنا بالالتفاف والعودة مرة أخرى، صحبها إشارة من يديه تفيد بـ«لف وارجع تاني»،
بدعوى أن الطريق مغلق من نهايته!!، وبكل براءة سأله والدي «إزاي مقفول ما احنا
بنعدي من هنا على طول»، ليرد سعادة البيه الأمين بسخرية مستفزة «يظهر إنك بقالك
كتير ما عدتش من هنا.. الطريق على طول بيتقفل من الساعة 12 لحد 6 الصبح.. إجراءات
أمن».
بالكاد تمالكت أعصابي، لأن الموقف في مجمله لا يستحق، وعلى مرمى البصر كانت
الحواجز الحديدية التي وضعها رجال الشرطة رابضة تخرج ألسنتها لنا وهي تسد الطريق
أمامنا، كنت مستعدا للنزول لإزاحة الحواجز لكي نمر وتمر السيارات التي خلفنا
وأعيدها مرة أخرى، ولكن كبرياء «البيه الأمين» أبى أن نفعل ذلك، لأنه مقتنعا أن
وظيفته الأساسية التي يتقاضى عليها أجرا من الضرائب التي يدفعها المواطنون، هي أن
«يخنق على مخاليق ربنا»، لا أن ييسر على الناس أمورهم.
تلك الواقعة ليست حالة فردية عابرة، قام بها شخص غير سوي، ولكنها سلوك عام
-لدى بعض رجال الشرطة-، يزيد الفجوة اتساعا بين الشعب والشرطة، فلن تقوم الساعة
إذا تعامل معنا «البيه الأمين» بشيء من الإنسانية، مراعاة لأنه يرى أطفال وأسرة
داخل السيارات وليس قطيع من عتاة الإجرام، وهو الأمر الذي تكرر مع أكثر من شخص
أعرفه، اعتمادا على مبالغة أمنية لا داعي لها.
ولقيادات وزارة الداخلية دور كبير فيما يحدث؛ برضائها عن تعطيل مصالح الناس
وغلق شوارع رئيسية في أكثر من منطقة، فإن كانت تعلم وصامتة فتلك مصيبة، وإن كانت
لا تعلم ونائمة، فالمصيبة أكبر، هناك استراتيجيات أمنية كثيرة تستطيع حماية أمن
المنشآت وأفراد الأمن -هم اعلم بي منها-، ولكن بالقطع ليس من بينها استراتيجية
«كبر دماغك وسيب المواطن يتسحل»، لأنه في أحيان كثيرة تكون هناك حيوات متوقفة على
الدقيقة التي سيقضيها مرتادو الطرق المغلقة «في اللف والدوران حول المنطقة»، بدلا
من السير في الطرق الطبيعية وبخاصة لو كان مريضا داخل سيارة إسعاف أو سيدة متوجه
لوضع مولودها، فـ«الرحمة والإنسانية فضلوها على التكبر والتجبر».

.jpg)
