السبت، 4 أكتوبر 2014

لأجل عيون البيه «الأمين».. «لف وارجع تاني»!

الشارع المتواجد به قسم السلام قبل غلقه بالحواجز الأسمنتيه - أرشيفية
بقلم/ أحمد عادل حلمي





المكان: الشارع المقابل للقسم بمدينة السلام في محافظة القاهرة.

الزمان: فجر يوم السبت الماضي.

الحدث: خلال عودتي والأسرة قادما من محافظة الإسكندرية.



دعوني في البداية أصف لكم طبيعة المكان، فالقسم يطل على الشارع الرئيسي الرابط بين القادم لمدينة السلام من جهة الكوبري الدائري، والمناطق المتفرقة للمدينة، وهو ليس بالشارع الضيق أو ذو الاتجاه الواحد -في الظروف الطبيعية-، ولكن بين ليلة وضحاها تحول الشارع لاتجاه واحد «المغادر للمدينة باتجاه الدائري»، وذلك لأن القسم «كبرت في دماغه إن ما حدش يعدي من قدامه».

فبعد سلسلة التفجيرات التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة، عن طريق السيارات المفخخة التي تستهدف المنشآت الشرطية، تفتقت بعض الأذهان الأمنية عن منهاج وقائي جديد وهو «شيل دة من دة.. يرتاح دة عن دة»، فبدلا من اتباع سياسة أمنية تعتمد على عدم السماح للسيارات بالتوقف أمام المنشآت التي قد تكون مستهدفة، آثروا الاعتماد على منطق «تكبير الدماغ»، وأغلقوا الشوارع المحيطة بها دون أي مراعاة لأبسط حقوق المواطنين.

وقد قام قسم السلام بغلق الشارع أمامه؛ ليس بحواجز مؤقتة -لا سمح الله-، تتيح فتح وغلق الشارع حسب الطبيعة الأمينة ولكنه لجأ لوضع حواجز أسمنتيه ثابتة، وعلى المتضرر «خبط دماغه في الحواجز» والالتفاف حول المنطقة المحيطة بالقسم بأكملها حتى يصل لوجهته التي تستغرق في الوضع الطبيعي بضعة دقائق ولكن مع التغيرات الجديدة أصبحت تأخذ ما يقرب من الربع ساعة نظرا لضيق الطرق الجانبية التي يسلكها والضغط الهائل عليها من كافة مرتادي الطريق.

ومؤخرا تفضل القسم وسمح بمرور السيارات في الاتجاه الوحيد المتاح «رايح جاي» وهو الطريق الذي يسمح بالكاد بمرور سيارتين في نفس الاتجاه، فما بالك بمرور السيارات في اتجاهات مختلفة، ولكن لأن «الحلو ما يكملش»، فقد وضع رجال القسم «الأكفاء»، حواجز حديدية متحركة في نقطة بعينها بالاتجاه المتاح، وهو الأمر الذي لا يسمح إلا بمرور سيارة واحدة عند الوصول لتلك النقطة وما يصاحبه من تكدس وازدحام مروري شديد.

وفي الليلة المنشودة، كنت قادما من محافظة الإسكندرية باتجاه مدينة السلام، لإيصال عائلتي لمنزلهم، وقادني حظي العاثر للمرور من أمام القسم، كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة بدقائق قليلة، دخلت -مضطرا- في الاتجاه المعاكس الذي يفصله عن القسم؛ الطريق المغلق والرصيف، على اعتقاد أنه صالح لمرور البشر، وبعد أن وصلت أمام القسم وجدة سيارة «ميكروباص» ويقف بجانبها أمين شرطة، عفوا «سعادة البيه أمين الشرطة»، حاملا على كتفه سلاح آلي وطالبنا بالتوقف.

لم أكذب خبرا وتوقفت على الفور، وبكل ما وهبه الله من «تناكة» وبوجه متجهم؛ طالبنا بالالتفاف والعودة مرة أخرى، صحبها إشارة من يديه تفيد بـ«لف وارجع تاني»، بدعوى أن الطريق مغلق من نهايته!!، وبكل براءة سأله والدي «إزاي مقفول ما احنا بنعدي من هنا على طول»، ليرد سعادة البيه الأمين بسخرية مستفزة «يظهر إنك بقالك كتير ما عدتش من هنا.. الطريق على طول بيتقفل من الساعة 12 لحد 6 الصبح.. إجراءات أمن».

بالكاد تمالكت أعصابي، لأن الموقف في مجمله لا يستحق، وعلى مرمى البصر كانت الحواجز الحديدية التي وضعها رجال الشرطة رابضة تخرج ألسنتها لنا وهي تسد الطريق أمامنا، كنت مستعدا للنزول لإزاحة الحواجز لكي نمر وتمر السيارات التي خلفنا وأعيدها مرة أخرى، ولكن كبرياء «البيه الأمين» أبى أن نفعل ذلك، لأنه مقتنعا أن وظيفته الأساسية التي يتقاضى عليها أجرا من الضرائب التي يدفعها المواطنون، هي أن «يخنق على مخاليق ربنا»، لا أن ييسر على الناس أمورهم.

تلك الواقعة ليست حالة فردية عابرة، قام بها شخص غير سوي، ولكنها سلوك عام -لدى بعض رجال الشرطة-، يزيد الفجوة اتساعا بين الشعب والشرطة، فلن تقوم الساعة إذا تعامل معنا «البيه الأمين» بشيء من الإنسانية، مراعاة لأنه يرى أطفال وأسرة داخل السيارات وليس قطيع من عتاة الإجرام، وهو الأمر الذي تكرر مع أكثر من شخص أعرفه، اعتمادا على مبالغة أمنية لا داعي لها.


ولقيادات وزارة الداخلية دور كبير فيما يحدث؛ برضائها عن تعطيل مصالح الناس وغلق شوارع رئيسية في أكثر من منطقة، فإن كانت تعلم وصامتة فتلك مصيبة، وإن كانت لا تعلم ونائمة، فالمصيبة أكبر، هناك استراتيجيات أمنية كثيرة تستطيع حماية أمن المنشآت وأفراد الأمن -هم اعلم بي منها-، ولكن بالقطع ليس من بينها استراتيجية «كبر دماغك وسيب المواطن يتسحل»، لأنه في أحيان كثيرة تكون هناك حيوات متوقفة على الدقيقة التي سيقضيها مرتادو الطرق المغلقة «في اللف والدوران حول المنطقة»، بدلا من السير في الطرق الطبيعية وبخاصة لو كان مريضا داخل سيارة إسعاف أو سيدة متوجه لوضع مولودها، فـ«الرحمة والإنسانية فضلوها على التكبر والتجبر».

الأحد، 18 مايو 2014

«السيسي».. وتطور فن صناعة الفرعون



  «هكذا تصنعون طواغيتكم»، قالها الرئيس البوسني الراحل، علي عزت بجوفيتش، بغضب في جمع من المصلين؛ عندما وصل متأخرا لصلاة الجمعة ذات مرة وكان قد اعتاد الصلاة في الصفوف الأمامية، فأفسح له المصلون الطريق لكي يصل للصف الأول -دون أن يسألهم هو ذلك-، فعندما وصل استدار لهم وقال مقولته الشهيرة السابق ذكرها، مبديا غضبه من ذلك السلوك المجتمعي البغيض.



ومنذ قديم الأزل، والمصري يمارس هذا السلوك ويتفنن ويبدع في «صنع طواغيته وفراعنته» وتأليه حكامه وتقديسهم ووضعهم في مكانة عالية وإحاطتهم بهالة من التبجيل والتوقير الزائف، ساهم في ذلك تعدد الفترات المظلمة في التاريخ المصري، وتعاقب الأزمات وسوء الأحوال المعيشية وتخيل «المواطن المطحون» أن الحاكم يملك العصا السحرية التي يستطيع بها تحقيق أمانيه بين طرفة عين وانتباهها.

ففي العصر الفرعوني؛ كان المصريون يتصارعون لتقديم فروض الولاء والطاعة للحاكم حتى ينالوا رضاه، متصورين أنهم بذلك يؤدون واجبا مقدسا، الأمر الذي جعل الحاكم نفسه يتصور أنه «إله» يأمر فيطاع، وهو ما حاول «فرعون» تطبيقه حرفيا، للتأثير على شبعه وتشويه صورة النبي موسى «عليه السلام» لديهم، وكما جاء في كتاب الله على لسان فرعون «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» (غافر-29).

وكأن الزمن يصر على أن يعيد نفسه، فقد تكرر هذا الأمر مع كافة الحكام منذ عهد الفراعنة مرورا بأنظمة الحكم المختلفة التي تعاقبت على مصر «العباسي، الفاطمي، العثماني، الدولة الحديثة ومحمد علي» ووصولا لعصر الجمهورية؛ الذي شهد أكبر ظاهرة في العصر الحديث لفرعنة المصري لحكامه، والتي أرسى قواعدها في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقد عرف منذ اليوم الأول له «من أين يؤكل الكتف» ولعب بمهارة ودهاء شديدين على هذا الوتر الحساس في قلوب المصريين ونجح بجدارة في وضع نفسه في مكانة «الفرعون» الأعظم -بمساعدة المصريون أنفسهم- ومن يشذ عن القاعدة الموضوعة فقل عليه "يا رحمن يا رحيم" من الشعب نفسه قبل أن يكون من النظام الحاكم.

ولا شك أن كافة الرؤساء الذين، لحقوا بعبد الناصر، قد استفادوا من ذلك النهج، وإن اختلفت الدرجات التي حدث بها ذلك، ولكن أيا منهم لم يستطع أن ينازع «ناصر» في تلك المكانة بقلوب المصريين حتى بعد رحيله بعشرات السنوات، لأن الرجل والحق يقال كان له «كاريزما» خاصة به لم يستطع أحد فك شفراتها وأسبابها، بالرغم من أن الأوضاع في عهده كانت غاية في السوء وشهدت تراجعا شديدا في أحوال البلاد والعباد، في كل شيء «اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.. وعسكريا أيضا» ولكن الالتفاف حول شخصه وخطبه الحماسية كان لا يعلو فوق صوته أي صوت آخر.

وقيل قديما "يا فرعون إيه اللي فرعنك.. قال مالقيتش حد يلمني"، أي أن الشعب هو من يملك جعل الحاكم يمشي على الصراط المستقيم، أو أن يجعله في برج عاجي لا يمس كما حدث ويحدث وسيحدث مع كافة الحكام الذين تولوا زمام الأمور في تلك البلاد، طالما تفكير السواد الأعظم من المصريين واحد لا يتغير، وإن تغير يكون للأسوأ.

ولأن المصري -مبدع بطبعه-، فقد تفوق على نفسه، وتحول من «فرعنة» الحاكم من بعد وصوله لسدة الحكم؛ إلى «فرعنته» قبل جلوسه على كرسي العرش وهو ما يحدث الآن بفجاجة مع المشير عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع السابق والمرشح لرئاسة الجمهورية، فالمشكلة ليست في السيسي نفسه على قدر ما هي مرتبطة بـ«المطبلاتيه» وشلة المنتفعين المحيطين به والكتاب والكاتبات والمذيعين والمذيعات الذين يتغزلون فيه ليل نهار ويسلكون مسلكا؛ بعيدا كل البعد عما يجب أن يكون، غير مدركين أن ذلك لا يصب في مصلحة الرجل على الإطلاق بل العكس من ذلك.

وسواء اختلفنا أو اتفقنا حول الرجل، فالأزمة أبعد من ذلك، فمشكلة «السيسي» أن المصريين وضعوه في مكانة عالية جدا وألقوا عليه بآمالهم العريضة في بناء المستقبل وانتشال البلاد من عثرتها والانطلاق بها نحو آفاق جديدة، والوضع لم يقف عند هذا الحد بل آخذ منحى خطيرا، تمثل في الهجوم الشديد على كل من يفكر مجرد تفكير في انتقاد موقف ما أو تصريح أدلى به المشير، واتهامه بأنه خائن وعميل ومنتمي للإخوان.

التركيب العقلي للعقلي لقطاع من المصريين يرفض بشدة أي محاولة لنقد أو تقويم أي ظاهرة لديهم وخاصة إذا كانت متعلقة برمز "انتشلهم من غياهب الجب" كما يذهب البعض بالتوصيف، ويساهم في ذلك بشكل كبير إعلامنا المبجل الذي يغالي ويبالغ في تمجيد الرجل وإظهاره بمظهر «الفارس الشجاع» الذي أتى على صهوة جواده لانتشال «الأميرة الجميلة» -مصر- من وسط ثلة من الرعاع واللصوص، وكأن مصر أصبحت عاقرا ولم تنجب سواه، فالسيسي ليس نبيا مرسل أو "إلها" فوق مستوى النقض لكنه له ما له وعليه ما عليه، وإذا أردتم بالفعل مصلحة الوطن فيجب أن تتيقنوا أن النقد مسلك صحي في سبيل ذلك.

«السيسي» من حقه بالطبع كمواطن مصري -يتمتع بكامل حقوقه- أن يترشح لأرفع منصب بالدولة مثله مثل أي مواطن آخر وقد يكون عدد لا بأس به من المصريين يميل لانتخابه وتوليته زمام الأمور ولكن الأمور لا يجب أن تدار هكذا، فمصر ليست بالدولة الهينة التي يجب أن تحكم «بالحب وكوننا نور عينه من عدمه» وخاصة بعد ثورتين كبيرتين غيرتا شكل الحياة السياسية بالبلاد، ولكن ببرنامج واضح ومحدد نستطيع على أساسه حسم قرارنا باختياره أو باختيار غيره.

والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني الآن، "إذا كان المصريون أنفسهم وبمعاونة أجهزة إعلام لها توجهات معينة «يفرعنون» الرجل الآن قبل أن يصبح رئيسا ولا يطيقون أي كلمة نقض في حقه، فما شكل الحياة إذا فاز السيسي بالفعل -وهو أمر ليس ببعيد- بمنصب رئيس الجمهورية!؟" وليس أدل على ذلك سوى المقولة القديمة "أوردها سعد وسعد مشتمل.. ما هكذا يا سعد تورد الأبل" والتي تقال عندما يقدم شخص على فعل شيء ما بطريقة خاطئة تؤدي به في النهاية للفشل الذريع، فالمقدمات الخاطئة لا تؤدي دائما سوى لنتائج خاطئة قد تصل في بعض الأحيان لمستوى الكارثية.

الاثنين، 24 فبراير 2014

أشياء جميلة في وقت ضائع!

بقلم/ أحمد عادل حلمي


لا تجبر الإنسان ولا تخيّره، يكفيه ما فيه من عقل بيحيّره، اللي النهارده بيطلبه ويشتهيه، هو اللي بكره ح يشتهي يغيّره.. رباعية كتبها عمنا صلاح جاهين منذ عدة عقود، واصفا فيها حال الإنسان عندما يفاضل بين شيئين، أو عندما يبذل قصارى جهده للوصول لهدف أو غاية محددة، ثم بعد الوصول إليه يظهر أمامه هدف آخر، يراه الأجدر بالتضحية ويندم على ما فات.

والأمثلة على ذلك كثيرة، فطبيعة الإنسان أنه متقلب ومزاجي، وآرائه متغيرة حسب الزمان والمكان والظروف المحيطة به، ومتطلباته النفسية التي يكون لها التأثير الأكبر على السلوك العام له، كما أن لـ«الهدف» جاذبية كبيرة وهو بعيد عن متناول اليد، وقد يكون ذلك بسبب عدم الإلمام الكامل بكل الإيجابيات والسلبيات المتعلقة به، ونقص المعلومات الكافية لحسم القرار، والتي لا تظهر في غالبية الأحيان إلا بعد الوصول للهدف، و... ورؤيته من الداخل عن قرب.

ويحلم جميعنا بأشياء عديدة، بين طموحات وأمانٍ وغيره.. ولكن معظمنا لا يعد المتطلبات اللازمة لتحقيق ما يحلم به، وقد يكون ذلك بسبب عدم إعطاء الحلم حقه الكامل في التكون أو التعجل في الوصول لغاية معينة دون دراسة خطواته جيدا، أو ربما عدم الإعداد والترتيب الجيدين لتحقيق ذلك.
«1»
ويظهر ذلك جليا في عدة أمور، كأن يتمنى الشخص السفر لدولة معينة للعمل أو للتنزه وينتظر الفرصة المناسبة لذلك، ويظل يبحث عن أفضل العروض، ويختار بين هذا وذاك.

وفجأة يظهر أمامه فرصة العمر، ويطير من الفرح وتصل به الفرحة لعنان السماء، ولكنه يكتشف أنه لا يملك جواز سفر، لكي يستطيع أن ينضم لتلك الرحلة والتي وضع لها مدة محددة للاشتراك بها أقصر بكثير من المدة التي قد تستغرقها إجراءات استخراج «الباسبور»، لأنها أشياء جميلة تظهر في وقت ضائع!.
«2»
كثير من الشباب ينامون ويستيقظون، ولا يشغل تفكيرهم سوى شيء واحد وهو «وظيفة العمر»، التي تستطيع أن تحقق كل طموحاتهم وآمالهم في الحياة، ويظلون يبحثون هنا وهناك لاقتناص الفرصة، ويشتكون من وجود «واسطة» ومحسوبية في عملية اختيار الوظائف وأن الأعمال المتميزة تكون مضمونة لأصحاب الحظوة مسبقا.

وفي غمار كل ذلك ينسى الشخص، العامل الأساسي في الموضوع كله، أنه لم يهيئ نفسه من الأساس للقبول بوظيفة أحلامه والتي قد تتطلب أن يكون له مظهرا معينا أو أن يكون حاصلا على دورات تدريبية في اللغات الأجنبية وبرامج الحاسب الآلي، وعندما تظهر الوظيفة المناسبة لطموحاته لا يستطيع أن يحصل عليها، نظرا لأنه لم يعد العدة المناسبة لها ولاحت هي له في الوقت الضائع الذي لم يضعه في حسبانه.
«3»
أما في العلاقات الشخصية والعاطفية، فحدث ولا حرج؛ فتجد فتاة تهيم عشقا بحبيبها وتتحدى العالم من أجل الارتباط به وعندما تصل لغايته وتعرفه عن قرب، تكتشف أنها تسرعت وأخطأت خطأ عمرها.

وتظل تندب حظها وتندم على ما فعلت ولكنه ندم في غير محله، لأن الوقت قد مضى وما فات قد فات ولا تستطيع وقتها سوى الحنين للماضي، وتخيُل حياتها السابقة التي كانت مليئة بالترف والمرح الذي أصبح ضائعا ولا مجال لعودته مرة أخرى.
«4»
أو أن تظل أسرة الشاب تلح عليه للارتباط، "يا بني عاوزين نفرح بيك ونشيل عيالك قبل ما نموت"، ولكن الشاب في قرارة نفسه لم يجد الفتاة التي تتوافق مع المواصفات، التي طالما حلم بأن يجدها في شريكة حياته، من الناحية الشكلية والعقلية والتوافق بينه وبينها وطريقة التعامل بينهما.

وتحت وطأة الضغط الأسري يضحي بكل ما كان يحلم به؛ بل وينسفه نسفا لإرضائهم على حساب نفسه، ويتزوج زواجا تقليديا «زواج صالونات»، ويمضى معها حياة روتينية مليئة بالخلافات والمشاكل، للاختلاف الجذري والعميق في وجهات النظر، والذي تتسع فجوته ويتعمق يوما بعد يوم في حياتهم، وفجأة تظهر أمامه فتاة أحلامه تسير بخطى واثقة وكأنها تتعمد استفزازه ومعاقبته على تسرعه، وتدخل الفرحة والحزن معا لقلبه، فرحة العثور عليها وحزن صعوبة الوصول إليها، لأنها ظهرت في الوقت الضائع!.
«5»
ووقع المصريون في هذه الدوامة، فبعد خروجهم في مظاهرات يناير 2011، كانوا ممتلئين بالأمل والرغبة في الحياة الكريمة، ولكنهم لم يحسبوا خطواتهم جيدا، ولم يكن هناك قائدا يوجههم لما يجب عليهم القيام به بعد ذلك ولم يضعوا طلبات محددة من وراء حركتهم تلك، مما خلق انقسامات وظهور أحداث لم تكن في الحسبان.

الأمر الذي ذهب بالبعض، لإظهار ندمهم على ما حدث، بل والترحم على الأيام السابقة بالرغم من أنها لم تكن «وردية» خالية من السلبيات والفساد والمصائب، وسواء اتفقنا أو اختلفنا على الأوضاع السابقة، إلا أن الحنين لها لا يعد كونه شئيا -يراه البعض جميلا- في وقت ضائع، لأن ما حدث قد حدث بالفعل والماضي لا نستطيع تغييره بأي شكل من الأشكال.
«6»
وتحفل حياتنا بالعديد من الأشياء الجميلة التي لا يشفع لها جمالها؛ ظهورها في الوقت الضائع، ويقع الإنسان حينها في فخ الندم على ما فات وتسرعه في الاختيار وعدم إعداده ما يناسب الحصول على ما يطمح إليه، بالإضافة إلى الحزن على صعوبة الوصول للشيء الجميل الذي ظهر أمامه في الوقت الضائع.


ولقد خلق الله عز وجل الإنسان، ووهبه نعمة العقل ليميز به ما يناسبه ويحتاج إليه ولكنه منحه أيضا شيئا أشد قوة وهو التعجل «وكان الإنسان عجولا»، وكثير منا لا يستطيع أن يوظف العقل لكي يتحكم بالعجلة، فيؤدي ذلك لفقدان كثير من الأشياء الجميلة منه، ولكن الوقت -للأسف- يكون قد ضاع، ولا يشفع «جمال الأشياء» المفقودة لها؛ حين ظهورها في الوقت الضائع.