بقلم/ أحمد عادل حلمي
لم أكن يومًا ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين -في المطلق- فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب ضد القوات المسلحة، حيث إن لبعض الوقائع شيئا من الخصوصية يتمثل في ضرورة سرعة الفصل في القضية للحفاظ على هيبة مؤسسة كالمؤسسة العسكرية وردع المخطئ، وهو ما لن تكفله المحاكمة الطبيعية.
لم أكن يومًا ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين -في المطلق- فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب ضد القوات المسلحة، حيث إن لبعض الوقائع شيئا من الخصوصية يتمثل في ضرورة سرعة الفصل في القضية للحفاظ على هيبة مؤسسة كالمؤسسة العسكرية وردع المخطئ، وهو ما لن تكفله المحاكمة الطبيعية.
جاءت تصريحات رئيس هيئة القضاء العسكري اللواء مدحت رضوان، لتنسف كل ما سبق؛ حيث قال: «إن حالات محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري تشمل أي اعتداء على العاملين بالمصانع والنوادي والشركات الخاصة بالقوات المسلحة، ومن ضمنها العاملون في محطات الوقود وقاعات الأفراح التابعة للجيش».
***
فـ«سيادة اللواء»، استند على المادة 204 من المسودة النهائية لدستور 2013 المزمع الاستفتاء عليه خلال الأيام المقبلة، والتي تنص على أنه «لا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكري، إلا في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم؛ ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكري الأخرى».
والمشاهد الثلاث التالية تلخص حجم المشكلة التي من الممكن أن يواجهها أي مواطن، قد يقوده حظه العثر للتعامل مع أي من المنشآت الجماهيرية التابعة للقوات المسلحة وألخصها هنا في 3 جهات.
***
مشهد 1.. محطة وطنية
بعد أن أنهى يومه الشاق في العمل، قاد المواطن سيارته واكتشف حاجتها للتزود بالوقود ولم يجد أقرب من محطة بنزين «وطنية» التابعة للجيش، لكي يروي ظمأ سيارته، ويبدو أن عددا لا بأس به من السيارات كان يواجه نفس المشكلة. ويصادف أن يكون صديق الضابط المناوب بالمحطة أحد الراغبين في التزود بالوقود.
ولسوء حظ المواطن؛ جاء ترتيبه بعد صديق الضابط، الذي أخذ يسترجع معه ذكريات الطفولة غير عابئ ببوق السيارة الذي انطلق لمطالبة «سيادة» الضابط وصديقه بإفساح المجال ليتمكن «المواطن» من تمويل سيارته بالوقود وعندما فشل المواطن في ذلك، ترجل من سيارته معاتبا الضابط وصديقه، فتطور الأمر لمشادة كلامية انتهت بإلقاء القبض على «المواطن» بواسطة الشرطة العسكرية التي قررت تحويله للنيابة العسكرية التي واجهته بدورها بالاتهامات الموجهة له والمتعلقة بإهانته ضابط بالقوات المسلحة وتحويله للمحاكمة العسكرية.
مشهد 2.. جهاز الخدمات
دخل هو وزوجته أحد أفرع «جهاز الخدمات العامة للقوات المسلحة» لشراء بعض مستلزمات المنزل، وقام بدفع ثمن ما حصل عليه وأثناء خروجه لفت نظره وجود خطأ في الحساب، فعاد مرة أخرى لمراجعة ذلك مع المسئول عن الخزينة، فأخبره أن ذلك ليست من اختصاصاته وعليه بمراجعة الضابط المسئول عن إدارة الفرع، فذهب إلى هناك وأخبره بالواقعة ولم يقتنع بحقيقة وجود خطأ حسابي، فحاول الرجل إقناعه، فتعالت الأصوات وتم استدعاء رجال الشرطة العسكرية. عرض الرجل على النيابة العسكرية التي قررت في النهاية أنه مذنب ولابد من محاسبته أمام القضاء العسكري.
مشهد 3.. قاعة أفراح
كانت سيارات «الزفة» تسير والسعادة تطل من أعين الجميع داخلها، وبالرغم من الزحام الشديد الذي شهده هذا اليوم والتأخير لأكثر من ساعة عن الموعد الذي حددته إدارة قاعة الأفراح الموجودة داخل إحدى دور القوات المسلحة، كموعد للزفة، إلا أن العروسين، تمنيا أن يسمح لهما بتعديل الموعد فور وصلهما، واستقبلهما الضابط المسئول عن القاعة بوجه متجهم، معلنا أنه تم إلغاء فقرة الزفة.
حاول عدد من الحضور إقناعه بالعدول عن ذلك إلا أنه رفض، تحدث معه العريس؛ حتى لا يتعكر صفو ليلة العمر، ولم تعجب لهجته «سيادة الضابط» وقرر استدعاء الشرطة العسكرية للعريس لمحاولته «التعدي على ضابط بالقوات المسلحة أثناء تأدية عمله» وتم تحويله بالتبعية للنيابة العسكرية التي حولته بالقطع للمحاكمة العسكرية.
***
المقصود من كل تلك المشاهد السالف ذكرها، ليس تحاملا على أفراد وضباط القوات المسلحة، لأنه بالطبع بينهم من هو جدير بالإحترام، وبينهم من لا أستطيع وصفه؛ حتى لا أقع تحت طائلة المحاكمتين العسكرية والمدنية في آن واحد.
ولكن الغرض هو التأكيد على أهمية أن تكون مساءلة المدنيين في حالات تعديهم أو تجاوزهم بحق أفراد الجيش داخل المنشآت الخدمية التابعة للقوات المسلحة، خاضعة للقانون المدني والنيابة العامة والقاضي الطبيعي، لأن معظم تلك الأمور ستنتهي بالتصالح، وليس بضياع مستقبل مع قانون عسكري، لا يصلح إلا للتطبيق على معتادي الإجرام ومن يقدمون على ارتكاب جريمة «حقيقية».
3 مشاهد.. من وحي المحاكمات العسكرية
3 مشاهد.. من وحي المحاكمات العسكرية