السبت، 21 أغسطس 2010

النهاردة أجازة!

أحمد عادل


قصة قصيرة

استيقظ من نومه ونظر في ساعة الحائط بتكاسل فوجدها تخطت السابعة والنصف بدقائق قليلة فالتفت مرة أخري ليكمل نومه ولكنه سرعان ما عاد لينظر في الساعة مرة أخري وينهض من علي سريره مفزوعا، لأنه معتاد أن يستيقظ في السابعة، لكي يأخذ حمامه ويجهز ملابسه ويكون متواجد افي مقر عمله في تمام التاسعة صباحا.


ونظرا لأن المسافة بين منزله وعمله ليست بكبيرة ولكن الشوارع تكون دائما مزدحمة، فإنه اعتاد أن يستيقظ مبكرا جدا لكي يستطيع أن يذهب إلي عمله بدون تأخير، منعا للجزاءات والخصومات و.....والإحراج، فبدلا من أن يأخذ الطريق 30 دقيقة، فإنه في بعض الأحيان يتجاوز الساعة والنصف.


نزل من علي سريره متثاقلا، جسده يأبي أن يطاوعه ويطالبه بالمزيد من النوم والراحة وعقله يلح عليه وبشدة الإسراع لكي لا يتأخر، دخل وأخذ حمامه علي عجلة من أمره، فلا وقت الآن للاستمتاع بتلك اللحظات المنعشة أسفل الـ(دش) ولا أن يأخذ الراحة الكاملة في عمل الـ(احم احم).


خرج مسرعا من الحمام وكادت قدمه أن تنزلق علي الأرضية المبتلة ولكنه تشبث بإطار الباب، ارتدي ملابسه وصلي، ثم فتح الثلاجة، يبحث فيها من ما يؤكل فلم يجد ما يستحق أن يؤخر نفسه أكثر لأجله، فأغلقها وارتدي حذائه ولملم أشيائه وتوقف لحظات ليري ما إذا كان قد نسي شيئا، ثم نزل يتجاوز درجات السلم قفزا.


عندما وصل إلي الشارع، انتابته حالة من الاستغراب، حيث لم يجد الكم الهائل من البشر الباحثين عن ما يركبونه، سعيا للوصول إلي مقار عملهم ولكنه توقع أن يكون قد نزل مبكرا قليلا.


وعلي غير العادة وجد الـ(ميكروباص) خاليا إلا من راكبين اثنين فقط، علي الرغم من أنه في العادة يتزاحم الركاب ويتعاركون من أجل الفوز بمقعد داخله.
جلس داخل الـ(ميكروباص) ينظر في ساعته، لقد قاربت من الثامنة والنصف وهو لم يتحرك من (الموقف) لأن السيارة كما قال السائق "لم تمتلئ وإحنا لسه علي باب الله يا بيه، سبونا بقي نشوف شغلنا".


وعندما يأس السائق من امتلاء السيارة عن آخرها، اضطر -علي مضض وهو يسب ويلعن- أن يغلق باب السيارة ويسير بها نصف ممتلئة، فتهللت أسارير الراكب المتأخر عن عمله وطمئن نفسه قائلا: ما فيش مشاكل هوصل متأخر نصف ساعة أو ساعة إلا ربع، بس المهم الطريق يكون (سالك).


أخرج هاتفه المحمول يعبث به، إهدارا للوقت ولكنه فجأة انتبه لشيء غريب، السائق لم يتوقف سوي مرتين لكي يركب (زبونين) والشوارع –لأول مرة منذ فترة كبيرة- يري معالمها التي كاد أن ينساها من كثرة السيارات التي تمشي عليها كل يوم وتداري ملامحها، فلا يوجد سوي عدد محدود من السيارات في الشوارع، ماذا يحدث!؟ سؤال دار بخلده وألح عليه بشدة ليجد له جواب.


ظلت السيارة تنهب الأرض والسائق يقود بأقصى سرعة لكي يلحق هذا الـ(أوكازيون)، الذي نادرا ما يحدث، فقال أحد الركاب للسائق: علي مهلك شوية يا أسطي الله يكرمك، فنظر له السائق شذرا في المرآة الداخلية وقال: خليك في حالك يا بيه الله لا يسيئك، أنا عارف أنا بعمل ايه، ولم تفلح المناوشات المستمرة بين الركاب والسائق والتي تتنوع بين (وطي الكاسيت شويه يا أسطي، بلاش سجاير صدرنا تعبنا) في صرف انتباهه عن الحدث الهام والنادر!.


وتوقع أن الشارع كان مغلقا لمرور موكب شخصية (ثقيلة) أو ما شابه ومرت السيارة التي يستقلها بعد الموكب مباشرة، لكن ما زاد قلقه هو أن جميع الشوارع كانت علي هذه الحالة وهو الأمر الذي شغل عقله إلي أن نزل من الـ(نعش الطائر)، عفوا الـ(ميكروباص).


عبر الشارع مشتت الذهن وكادت أن تطيح به إحدي السيارات المسرعة، المحدودة في ذلك اليوم الغريب والمستغلة خلو الشوارع، كما لو أن قائدها غير مصدق أن سيارته كانت ستصل لتلك السرعة في يوم من الأيام.


وصل إلي مقر عمله في التاسعة إلا خمس دقائق واستقل المصعد إلي الدور المتواجد به المكتب وظن أنه لن يجد زملائه -كالعادة- ولكن ما زاد استغرابه هو وجود جميع الزملاء، فتوقف علي باب المكتب مستغربا، فقال له أحد زملائه: إيه يا عم مالك؟ ولم يسمعه لأن ذهنه كان مشغولا بشيء أهم، فناده زميله: يا ابني فيه إيه؟ واقف ليه كدة؟، فنظر له وقال: حاجة غريبة ياأخي الشوارع فاضيه، زي ما يكون الناس (طفشوا) من البلد.


ظهرت البلاهة علي وجه زميله وهو يقول: أنت مش عايش ولا إيه يا ابني، (النهاردة أجازة)، نظر له وتساءل: أجازة؟، أمال إحنا جايين ليه؟، فأتاه الجواب من احدي زميلاته: النهاردة 23 يوليو..عيد الثورة..كل سنة وأنت طيب وإحنا طبعا ما لناش دعوة بالأجازات دي، إحنا بناخد أجازاتنا الأسبوعية بالعافية، نظر لهم، ثم أنفجر الجميع فجأة في نوبة من الضحك الهستيري وبعد أن هدءوا قال أحدهم يا رب، يكون كل يوم أجازة علشان الشوارع تبقي فاضية كدة.